يبدو أن وزيرة خارجية إسرائيل سيدة المخابرات ومسئولة تجنيد العملاء السابقة تسيبي ليفني مسلطة علي الحكام العرب المعتدلين
فبعد المشهد المأساوي الذي هددت فيه بحرق غزة بعد دقائق من خروجها من اجتماع مع الرئيس مبارك وأثناء وقوفها مع وزير خارجية حكومة مصر، فإذا بها تقف منذ يومين في مؤتمر صحفي لتعلن أن حماس حركة إرهابية وأن حماس تهدد الدول العربية المعتدلة، كما أن إسرائيل تسعي لمساعدة المعتدلين العرب كي تدحر حماس، وأن الحكام العرب المعتدلين يتفهمون موقف إسرائيل حيث يعتبرون حماس عدوهم وخطراً عليهم كذلك.
دعنا نفك الإيحاء والإيماء بالتصريح والتوضيح، فإن ليفني إنما قصدت بالحكام العرب المعتدلين الرئيس مبارك وملك الأردن عبدالله بن الحسين وربما تضم إليهما أسماء حكام آخرين في السعودية أو المغرب، لكننا نعرف بوضوح أن وصف الاعتدال حكر علي الدول المتعاهدة والمتعاقدة مع إسرائيل علي سلام إسرائيلي خالص، ذلك الذي قال عنه شيمون بيريز بمنتهي الصفاقة التي تليق به: «إن من وافق علي سلامنا أعطيناه أرضه». إذن لا يوجد أي لبس في مقاصد وزيرة الخارجية الإسرائيلية، وقد كرهنا جدا عملية التمييع والمراوغة التي تعتمدها حكومات الدول المتسالمة مع إسرائيل حين تطبق فمها صمتًا وتغلق فكيها عن النطق للرد علي تصريحات مسئولي تل أبيب الذين يُعرُّون موقف الرؤساء والملوك العرب حين يفصحون ليل نهار وخصوصا ليفني في كل محفل دولي وإسرائيلي عن تأييد الحكام العرب المعتدلين (أظنك فهمت من هم المعتدلون الآن) لإسرائيل في ضربها وعدوانها علي غزة!.
في هوس حرب التخوين المتبادل بين الحكام العرب (المعتدلين) ورجالهم وإعلامهم وأحزابهم من جهة، والمعارضين العرب لهؤلاء الحكام من جهة أخري، فإننا لن نلوث أقلامنا باتهام أي أحد أوأي نظام بتهمة مثل هذه، فالتخوين والاتهام بالخيانة جريمة لا نرتكبها ولا نتمني أن يرتكبها أحد، ورغم الخلاف العميق والجذري مع الحكومة المصرية في موقفها المتخاذل والمتراخي وربما المتواطئ مع السياسة الإسرائيلية، فإننا لا يخالجنا ذرة من شك في وطنية هذا الحكم، فالحقيقة أنه حكم غير كفء ومزور لإرادة مواطنيه ولكننا لا نحن ولا غيرنا ولا النظام ولا رجاله نملك صك الوطنية كي نمنحه أو نمنعه، وكل ما يحكمنا هو الخلاف السياسي والفكري ولا دخل للوطنية أو الخيانة بما نقول أو نفعل، هذه واحدة!.
الثانية أن النظام المصري يتوافق ويتحالف مع السياسة الإسرئيلية تحت مظنتين ومظلتين:
المظنة الأولي هي: أن مصلحة مصر تقتضي من وجهة نظره البعد عن عداء إسرائيل حتي لا نستنزف قدرات البلد المادية والبشرية (طبعا الفساد المستشري في البلد كفيل باستنزاف ومص دم ثروة البلد أكثر من أي عداء لإسرائيل).
المظنة الثانية: أننا مش قد حرب مع إسرائيل وأن تل أبيب أقوي من أن نواجهها فوراءها أمريكا (وهي مظنة تنسفها نسفا وقائع اكتشاف أن إسرائيل أضعف من أن تكون أسدا كما وصفها الرئيس المصري من قبل، فالأسود لا تقتل الأطفال بالقنابل ولا تستهدف المدنيين وسيارات الإسعاف ولا تدمر البيوت علي أهلها بل الدولة الجبانة هي من تفعل ذلك، لكن المؤكد أننا بتنا نعرف أن الجيش الإسرائيلي وضيع أخلاقيًا وضئيل علي المستوي النفسي ومتوسط الكفاءة كما أثبتت معاركه في لبنان وغزة).
أما المظلتان فهما: مظلة أمريكية يعتقد النظام المصري أنها تحميه وتستره وتدعمه نتيجة رضا إسرائيل عنه، ثم مظلة الاعتقاد أن التيار الإسلامي هو الخطر الأوحد علي استقرار الرئيس علي مقعده وتوريث نجله أو أي من أنجال النظام للحكم، فالنظام يؤمن بأن مجيء أي تيار إسلامي أو غير إسلامي للحكم هو خطر علي البلد نفسه! ومن ثم حين يهاجم ويهجم علي التيار الإسلامي فكأنما ينقذ البلد من الضياع والانهيار.
أتصور أن هذا تحديدًا يجعل مسئولي النظام من الأخسرين أعمالا، هؤلاء الذين ينطبق عليهم قول الله عز وجل في كتابه الكريم (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًاالَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الحيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) الكهف 103، 104، فما يحسبه النظام حماية للبلد هو إفناء وإنهاء للبلد تماما بتسليمه خالصاً مخلصاً لأعدائه، حيث إسرائيل التي تعتبر أن حماس والتيار الإسلامي عدو مشترك لها وللحكام العرب ليست دولة طبيعية بل عدو احتل ويحتل أرضنا، ثم هو كيان استعماري استيطاني وعدواني وتوسعي وكل هذه الصفات التي يبدو أن الصهاينة الذين يشاركون رجال أعمال من المقربين للحكم وللرئيس ونجله وآخرين من رجال الأعمال الذين يمتلكون شيئاً من الإعلام والصحف وآخرين يمتلكون قدراً من النفوذ الكبير في الحزب الحاكم قد أقنعوا النظام (الذي هو مقتنع أصلا) بعكسها وبأن إسرائيل صارت ملاكاً بجناحين (يجب أن تلتمس العذر لأخيك رجل الأعمال الذي يسكن خبراء إسرائيليون في مزارعه في الطريق الصحراوي أو في مصانعه للنسيج في شبرا أو الإسكندرية، حيث إن حماس لا تملك خبراء في زراعة الفراولة والتفاح ولا شركاء في صناعة النسيج!!).
عموماً، يبقي أن نظام الحكم في مصر بل والرئيس شخصياً مطالب بأن يقول لا لإسرائيل، طبعا الرئيس لا يطالبه عندنا أحد ومجرد أن تطالبه فتبقي ابن ستين في سبعين وإنت مين كي تطالب الرئيس، لكن مع كل ذلك فالرئيس مطالب بأن يقول لا لإسرائيل، فلا يمكن أن نتعامل وكأن هؤلاء المسئولين الصهاينة لا يقولون شيئا أو كأن الرئيس ومن معه لم يسمعوهم يقولون شيئا!.
لقد قالوا وآخرهم ليفني يا سيادة الرئيس وبوضوح شديد:
1- إنك مع الحكام المعتدلين تري أن حماس والتيار الإسلامي إرهابيون يشكلون خطرا علي المنطقة وعلي حكمك.
2- إنك والحكام المعتدلين متفهمون موقف ومن ثم تَصُّرف تل أبيب.
طبيعي أن يرد مؤيدو الرئيس (نعرف أن الرئيس لا يرد) ويزعمون أن موقف مصر لا يمكن المزايدة عليه وإنما وحيثما وأنه وهلبت وإذ كذلك....ماشي موافق علي ثرثرة من هذا النوع عندما يكون الاتهام صادراً عن عضو في الإخوان أو حماس أو أحزاب المعارضة، لكن الاتهام قادم من تلك الدولة التي تضرب وتعتدي وترتكب المجازر حيث تزعم أنك موافق علي المجازر ومتفهم لها ثم إنها تضرب أعداءك أو الذي تراهم أنت أعداءك، هذه اتهامات في حاجة إلي رد وجواب، أما التشاغل المتجاهل والترفع المصطنع فلا يسمح لمن يسمع كلام وزيرة خارجية إسرائيل إلا أن يذهب بتفكيره ومشاعره إلي ما هو أبعد وأعمق وأخطر.
الآن ما الضرر؟ ما الموجع؟ ما المؤلم أو ما الخطر في أن يرد الرئيس مبارك بملء الفم ويقول لا لإسرائيل؟.
آه الرئيس قال لا، عارف والله فأنا أشاهد النشرات التليفزيونية، لقد أدان العدوان الإسرائيلي وطالب بوقفه وحذر من آثاره، لكن ليست هذه لا التي ترد علي أقوال ليفني وعشرات التصريحات من المسئولين الصهاينة ومقالات وتقارير الصحف الإسرائيلية زاعمة أن الحكومات العربية المعتدلة تري حماس عدوا وتوافق علي تدميرها بصواريخ إسرائيل.
لا التي نتمناها (لا أقول أننا ننتظرها) هي لا الناهية والنافية للجنس، لا يا إسرائيل، هل يمكن أن نسمع رئيس مصر يعلن بوضوح لا يا إسرائيل: حماس ليست إرهابية بل تقاوم محتلاً غاصبًا وهي فصيل وطني فلسطيني شريف يناضل من أجل تحرير أرضه وتراب وطنه، وأن الرئيس يختلف معها في العقائد والوسائل إلا إنه فصيل ليس خصما ولا عدوا لمصر، نعرف أن الرئيس لا يطيق حماس ولا الإخوان المسلمين لكنه لا يمكن أن يعتبر مواطنين من فلذة وطنه وثقافته ودينه عدوًا ثم لا يملك كذلك صك الوطنية يمنحه لمن شاء ويمنعه عمن يشاء ومهما كان خصامه وخلافه فهو بين حاكم وفصيل سياسي وليس عداءً بين وطن وحركة إسلامية (في حالة حماس) أو بين وطن ومواطنين مصريين (في حالة الإخوان).
ثم لا يمكن أن يعتقد النظام المصري أن التعرية المتعمدة التي يقوم بها المسئولون في إسرائيل لمواقف مؤيدة من مسئولين مصريين للعدوان علي غزة بلا أثر ولا تأثير علي الوعي الفلسطيني والمصري والعربي بل والعالمي وإلا فإن مسئولي مصر يعيشون في عالم آخر معزول ومنعزل، فليس طبيعيا ولا صحيا ولا سياسيا أن يكتفي السلطان بسماع رأي مهرج القصر وشاعر القصر أو تليفزيونات القصر ويعتبر أن رأي هؤلاء هو الرأي العام أو الرأي الأعم وإذا كان الخلفاء الأمويون والعباسيون وسلاطين المماليك اكتفوا فقط بسماع مهرجي وبهاليل قصورهم لتحطمت دولهم بين يوم وليلة!!.
- صحيفة الدستور المصرية .